ينعقد منتدى فلسطين للنشاط الرقميّ هذا العام في الوقت الذي تُدفن فيه غزّة تحت الأنقاض. نشهد حالة إنسانيّة متردّية بشكلٍ متزايدٍ وسط عنف الإبادة الجماعيّة الذي يتكشّف في غزّة. باتت الحاجة الملحّة لحماية الحقوق الرقميّة، بما في ذلك الحقّ في الوصول إلى الإنترنت والمعلومات، مُلحّة الآن أكثر من أيّ وقت مضى. مع تكشّف هذا الواقع المروّع، من المهمّ التأكيد على حقوق الإنسان الأساسيّة التي يقوم عليها الوصول الرقميّ، بما في ذلك الحقّ في الوصول إلى الإنترنت، والحقّ في الوصول إلى المعلومات، وحرّيّة التجمُّع عبر الإنترنت، وحقوق أخرى.
يتمّ الاعتراف بشكلٍ متزايدٍ بالوصول إلى الإنترنت كحقّ مهمّ يسمح للأفراد بممارسة حقوق الإنسان الأساسيّة الأخرى. تنصّ المادّة 19 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان على وجوب حماية وتعزيز والتمتّع بحقوق الإنسان على الإنترنت. يسمح الوصول إلى الإنترنت تبادل المعرفة، كما أنّه يُيَسِّر التنظيم السياسيّ والمشاركة الاقتصاديّة وتشكيل الشبكات الاجتماعيّة. مع وضع ذلك في الاعتبار، سيستكشف منتدى فلسطين للنشاط الرقميّ 2025 الدور الأساسيّ الذي تلعبه الحقوق الرقميّة في تمكين الأفراد من تبادل خبراتهم، والسعي لتحقيق العدالة، ومناصرة حقوق الإنسان، خاصّةً في أوقات الحرب.
على مدى العام ونصف العام الماضيين، ساءت الحالة في غزّة بشكلٍ كبيرٍ، واتّسمت بانهيار الخدمات الأساسيّة والدمار الواسع النطاق. مع قطع خطوط الاتصال، تمّ عزل سكّان غزّة عمدًا عن العالم الخارجيّ، وقطع قدرتهم على التواصل أو مشاركة قصصهم أو الوصول إلى الأخبار أو حتّى طلب المساعدة، فلا يمكنهم توثيق جرائم الحرب والفظائع، وأصبحوا بلا صوتٍ. الفرص الاقتصاديّة، والتي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على المنصّات الرقميّة، باتت مشلولة، ويواجه الاقتصاد الهشّ أصلًا المزيد من الدمار.
ألحقت حرب الإبادة الجماعيّة المستمرّة في غزّة أضرارًا كارثيّة بالبنية التحتيّة للاتّصالات في قطاع غزّة، ممّا أدّى إلى عزله فعليًّا عن العالم. أدّى هذا الانفصال إلى تعطيل الوصول إلى المعلومات الحيويّة وخدمات الطوارئ وتحديثات السلامة، وخنق حرّيّة التعبير، كما أعاق جهود الاستجابة لحالات الطوارئ. مع تضرُّر ما لا يقلّ عن 75% من البنية التحتيّة اللاسلكيّة وركيزة الألياف الضوئيّة، تعمل الآن حوالي 25% فقط من البنية التحتية في مناطق معيّنة. تُقدر تكلفة هذا الدمار بنحو 90 مليون دولار، باستثناء الأضرار التي لحقت بالمرافق تحت الأرض.
انقطاع خدمات الاتّصالات السلكيّة واللاسلكيّة ترك المدنيّين دون إمكانيّة الوصول إلى مصادر المعلومات الإلكترونيّة القليلة المتبقّية والموثوقة، مثل وسائل الإعلام عبر الإنترنت ومنصّات الرسائل، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب إغلاق محطّات البثّ المحلّيّة، وفرض قيود على الصحفيّين الدوليّين، وقتل ما لا يقلّ عن 137 صحفيًّا منذ بدء الحرب – وفقًا للجنة حماية الصحفيّين. أثّر انقطاع الاتّصالات السلكيّة واللاسلكيّة بشدّة على الحياة اليوميّة، ممّا منع الأفراد من الوصول إلى خدمات الطوارئ والإنقاذ، وساهم في زيادة عدد القتلى بسبب تأخير الاتّصالات. كافحت المنظّمات الإنسانيّة من أجل متابعة عملها، في حين بات المدنيّون غير قادرين على الاتّصال بأقاربهم خلال الأزمة، وأصبحوا يعانون من ضائقة نفسيّة هائلة. علاوة على ذلك، أدّت الجهود لإلغاء الوصول لمنصّات الدفع الرقميّة إلى منع التبرّعات بالغة الأهمّيّة للمساعدات الإنسانيّة، بينما شلّت أيضًا قدرة سكّان غزّة على الوصول إلى الأموال التي من شأنها أن تنقذ حياتهم، والتي يرسلها أحبّاؤهم في الخارج.
بالإضافة إلى ذلك، قيّدت المنصّات الرئيسيّة على الإنترنت وصول الفلسطينيّين من خلال فرض الرقابة على أصواتهم وقمع وجودهم على الإنترنت. مع تصعيد الحرب على غزّة، قيّدت المنصّات الإلكترونيّة مرارًا وتكرارًا محتوى الصحفييّن ووسائل الإعلام الفلسطينيّة، بالإضافة إلى تقيّيد محتوى المواطنين الذين نشطوا في توثيق ونشر معلومات أساسيّة مباشرة عن الانتهاكات. من خلال سياسات الإشراف على المحتوى، أظهرت هذه المنصّات تحيّزًا ضدّ أصوات المجتمعات المهمّشة، ممّا أدّى إلى إسكات شهادات حيويّة، وحدّ من الإدراك العالميّ لما يجري في غزّة. ينتهك هذا القمع الحقوق الرقميّة الأساسيّة التي تُعتبر ذات أهّميّة خاصّة في مناطق النزاع، بما في ذلك حرّيّة التعبير والحقّ في المعلومات، الأمر الذي يزيد من تفاقم عزلة الفلسطينيّين خلال هذا الوضع العصيب.
القيود المتزايدة على وصول الفلسطينيّين إلى الخدمات الرقميّة التي فُرضت خلال العام ونصف العام الماضيّين تسلّط الضوء على أهمّيّة الدعوة إلى استعادة الوصول الرقميّ وحماية الحقوق الرقميّة، لأنّ استعادة الوصول الرقميّ ستسمح للفلسطينيّين بتنسيق المساعدات وتوثيق الانتهاكات والتواصل مع أحبّائهم، وكلّها أمور ضروريّة للصمود والبقاء على قيد الحياة.
جميع الحقوق محفوظة © 2025. منتدى فلسطين للنشاط الرقمي