logo
4 - 5 حزيران، 2024

منتدى فلسطين للنشاط الرقمي 2024

الذكاء الاصطناعي: وعود ثورية وواقع تمييزي

يهدف منتدى فلسطين للنشاط الرقمي (PDAF 2024) إلى وضع الحقوق الرقمية الفلسطينية على رأس الأولويات على الصعيدين الإقليمي والعالمي، في محاولة لحشد نضال متعدد الجوانب من أجل ضمان مساحة رقمية آمنة وعادلة وحرة للجميع. لقد بدأت تقنيات الذكاء الاصطناعي بالفعل في تشكيل حياتنا، وسيكون لها قريبًا تأثير أكبر على العالم. تُظهر لنا التجربة الفلسطينية أنه يجب علينا توخي الحذر عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي. نأمل، من خلال اجتماع الحلفاء من المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والعاملين في المجال والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، أن ننطلق في النقاش الواجب حول ضمان تطوير الذكاء الاصطناعي مع مراعاة احترام وكرامة الشعوب.

يبدو أن الذكاء الاصطناعي قد انتشر إلى جميع جوانب المجتمع في السنوات الأخيرة. لقد أدى التقدم في برامج الدردشة ومنصات توليد الصور إلى ظهور الذكاء الاصطناعي في حياة الأشخاص العاديين، ولكن أصبحت التقنيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أكثر حضوراً مما يعرفه معظم الناس. يزعم الكثيرون أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستنقذ البشرية، أو على الأقل ستحسّن حياتنا بشكل كبير، وهناك عدد لا بأس به من التطورات المذهلة التي خلقت الكثير من الأمل المستحَق. ومع ذلك، أثبتت تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضًا أنها تؤدي إلى تفاقم أوجه التحيز والتمييز والكراهية التي طال أمدها. في بعض الأحيان، تكون هذه التفاقمات عبارة عن عيوب ضمنية، يمكن إصلاحها من خلال عمليات مثل التخلص من تحيز مجموعات البيانات. ومع ذلك، فقد وجدت الجهات الفاعلة السيئة طرقًا عديدة لاستخدام التقنيات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي عمدًا كسلاح لإحداث الضرر الأكبر. في ظل هذه الفوضى المربكة، من الواضح أن خبراء التكنولوجيا وقادة العالم والمجتمع المدني بحاجة إلى العمل معًا لتشكيل ضمانات ومساءلة أكبر لتطوير ذكاء اصطناعي أخلاقي.

في حالة فلسطين والهوية الفلسطينية، من الواضح أن الذكاء الاصطناعي قد تسبب بالفعل في ضررٍ كبير. يجب على مجتمع الحقوق الرقمية أن يتعلم من واقع تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم بسبب الذكاء الاصطناعي، وعلينا جميعًا أن نجتمع للدفاع عن التطوير المسؤول والقابل للتفسير والذي يخضع تقنيات الذكاء الاصطناعي للمساءلة. نأمل أن يكون منتدى فلسطين للنشاط الرقمي السنوي الثامن فرصةً لذلك.

في السنوات الأخيرة، شهد الفلسطينيون استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الاحتلال والقمع، بالتزامن مع تكريس الروايات العنصرية واللا إنسانية أيضًا. إن الشعور بالمراقبة منتشرٌ على نطاق واسع بين الفلسطينيين منذ عقود؛ إلا أن الأمر ازداد سوءاً مع ظهور تقنيات التعرف على الوجه المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. لا يقتصر الأمر على أن الجنود هم الذين يقررون ما إذا كانوا سيقومون باحتجاز أو اعتقال أو مهاجمة الفلسطينيين بناءً على قواعد البيانات البيومترية أم لا، بل إن الأسلحة المدربة على الذكاء الاصطناعي تستخدم خاصية التعرف على الوجه لاتخاذ قرارات حياة أو موت بشأن الفلسطينيين دون وجود أي عامل بشري خلف أزرار التحكم على الإطلاق. علاوة على ذلك، خلال حرب 2023 على غزة، تم الكشف عن نشر إسرائيل لنظام الذكاء الاصطناعي، هبسورا (the Gospel)، الذي خلق أهدافًا تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر، لقصف الجيش الإسرائيلي، مما جعل الحرب على غزة أكثر حملات القصف فتكًا على السكان المدنيين في التاريخ الحديث.

بينما يعاني أهل غزة من ويلات الحروب والقصف، كشفت شركة ميتا عن آفة جديدة تتعلق بتقنيات الذكاء الاصطناعي. فقد أظهرت أداة الترجمة التلقائية على منصة إنستغرام استخدامًا مشوبًا بالتحيز، حيث قامت بترجمة عبارات عادية إلى "إرهابي فلسطيني" للصفحات الشخصية للفلسطينيين. وفي وقت يكون فيه القادة الإسرائيليون مشغولين بدعوة العقوبات الجماعية، ظهر مولد الصور على منصة واتساب والذي خلق صورًا (ايموجي) لأطفال عرب يحملون أسلحة من غزة. هذه الحالات، التي تبدو سيئة ليس في حالة السلم فحسب، تظهر مدى الخطر الذي قد تشكله هذه التقنيات خلال فترات المأساة والتدمير. إن السماح بمثل هذه الانتهاكات يسلط الضوء على خطورة تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي على الإنسانية، مما يستوجب التفكير الجاد في تنظيم واستخدام هذه التقنيات بمرونة وأخلاقية.

لا يقتصر ضرر تقنيات الذكاء الاصطناعي على الشعب الفلسطيني. في الواقع، يشكل الذكاء الاصطناعي في نسخته الحالية تهديدًا وجوديًا إلى حد ما للبشرية جمعاء بسبب بصمته الكربونية الشديدة للغاية. وبينما تسعى البشرية إلى إنشاء مجتمع خالي من الكربون، والتخفيف من الآثار الكارثية لتغير المناخ، فإن الاستثمار الأعمى في تقنيات الذكاء الاصطناعي كثيفة الاستخدام للطاقة يعرض التقدم المناخي للخطر. ومع ذلك، فإن الأضرار ليست دائماً واضحة تماماً. أصبح فهم التحيز الخوارزمي أكثر وضوحًا؛ إذ أظهرت الأدوات المصممة لإدارة عمليات التوظيف بشكل أفضل أنها أقل عرضة لاختيار المرشحين غير الذكور وغير البيض. هذه مجرد أمثلة قليلة توضح كيف أن وعد الذكاء الاصطناعي لم يتحقق في كثير من الأحيان.

لم يكن كل ما يخص الذكاء الاصطناعي سيئاً؛ إذ يحمل الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة لتحقيق المنفعة الاجتماعية، حيث يقدم حلولاً مبتكرة لمواجهة التحديات العالمية الملحة. ومن خلال تسخير قوة الذكاء الاصطناعي، يمكننا تحقيق تقدّم كبير في مجال الرعاية الصحية والحفاظ على البيئة. في مجال الرعاية الصحية، يتيح الذكاء الاصطناعي إجراء تشخيص أكثر دقة وخطط علاج مخصصة واكتشاف أدوية جديدة. تساعد المراقبة البيئية المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تتبع تأثير تغير المناخ والتخفيف منه. بالإضافة إلى ذلك، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا حاسمًا في الاستجابة للكوارث والمساعدات الإنسانية، حيث يوفر تحليلًا سريعًا لكميات هائلة من البيانات للمساعدة في جهود الإغاثة. علاوة على ذلك، يؤكد الذكاء الاصطناعي من أجل المنفعة الاجتماعية على الاعتبارات الأخلاقية والشمولية والتطوير المسؤول للتكنولوجيا، مما يضمن توزيع فوائدها على نطاق واسع والمساهمة بشكل إيجابي في المجتمع ككل.

مع كل هذا وأكثر، نحن في حملة -المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، ندعوكم لحضور منتدى فلسطين للنشاط الرقمي الثامن. نأمل، من خلال المناقشات الميّسرة وورش العمل التفاعلية، في تعزيز مجتمع واع للمعايير الأخلاقية التي نسعى كمجتمع لتحقيقها في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي. فما هي السياسات واللوائح وآليات المساءلة الأخرى التي نحتاج إليها لضمان استيفاء معاييرنا؟ يطمح منتدى فلسطين للنشاط الرقمي (PDAF 2024) إلى خلق مجتمع يتمحور حول الإجابة على مثل هذه الأسئلة. يهدف المنتدى أيضًا، من خلال ورش العمل التفاعلية والتشاركية، إلى تمكين المشاركين من خلال طرق سريعة وسهلة لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتعميم المنفعة. ننتظركم في منتدى فلسطين للنشاط الرقمي (PDAF 2024)، لنناقش التجربة الفلسطينية من منظور عالمي.